۩ شبــــ ايجــى تـايمز ـــكة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولدخول الاعضاء
((الرحمن))     ((الرحيم))      ((الملك))      ((القدوس))      ((السلام))     ((المؤمن))      ((المهيمن))      ((العزيز))      ((الجبار))     ((المتكبر))      ((الخالق))      ((البارى))      ((المصور))      ((الغفار))      (( القهار))      ((الوهاب))      ((الرزاق))     ((الفتاح))      ((العليم))      ((القابض))      ((الباسط))     ((الخافض))      ((الرافع))      ((المعز))      ((المزل))     ((السميع))      ((البصير))      ((الحكم))      ((العدل))     ((اللطيف))      ((الخبير))      ((الحليم))      ((العظيم))     ((الغفور))      ((الشكور))      ((العلى))      ((الكبير))     ((الحفيظ))      ((المقيت))      ((الحسيب))      ((الجليل))     ((الكريم))      ((الرقيب))      ((المجيب))      ((الواسع))     ((الحكيم))      ((الودود))      ((المجيد))      ((الباعث))     ((الشهيد))      ((الحق))      ((الوكيل))      ((القوى))     ((المتين))      ((الولى))      ((الحميد))      ((المحصى))     ((المبدى))      (( المعيد))      ((المحى))      (( المميت))     ((الحى))      ((القيوم))      ((الواجد))      ((الماجد))     ((الواحد))      ((الصمد))      ((القادر))      ((المقتدر))     ((المقدم))      ((المؤخر))      ((الاول))      ((الاخر))     ((الظاهر))      ((الباطن))      ((الوالى))      ((المتعال))     ((البر))      ((التواب))      ((المنتقم))      ((العفو))     ((الرؤؤف))      ((مالك الملك))      ((ذو الجلال والاكرام))     ((المقسط))      ((الجامع))      ((الغنى))      ((المانع))     ((الضار))      ((النافع))      ((النور))      ((النور))     ((الهادي))      ((البديع))      ((الباقى))      ((الوارث))      ((الرشيد))      ((الصبور))

 

 المسلمون والعمل السياسي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
|The.King|

المسلمون والعمل السياسي Default1
|The.King|


معلومات اضافية

الجنس : ذكر
المشاركات المشاركات : 193
نقاط التقييــم 4 نقاط الخبـــرة 5895
الدولة : مصر

المسلمون والعمل السياسي Empty
مُساهمةموضوع: المسلمون والعمل السياسي   المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 14, 2009 11:07 am

المسلمون والعمل السياسي
فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الخالق

تعريف بالكتاب
يختلف الدعاة اليوم حول العمل السياسي، وخاصة ما يتعلق منه بمجالس التشريع في الدول (الديمقراطية)، وتكوين الأحزاب السياسية من منطلق ديني، وتكوين الاتحادات والنقابات والهيئات، والتجمعات، وكذلك حول دخول الدعاة والعلماء في المعترك السياسي من حيث نقد الحكام، وتوجيه مسيرة الأمة، وكذلك قد وصل الاختلاف بين الدعاة إلى تولي المناصب القيادية في الحكومات الإسلامية المعاصرة ومدى موافقة هذا أو مخالفته للإسلام الصحيح.. الخ.
وهذه الرسالة على صغر حجمها تجيب الإجابة الشافية بحول الله وتوفيقه على كل ذلك.
إنها منطلق جديد للدعوة إلى الله.

المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد،
فإن شباب الدعوة الإسلامية يختلفون فيما بينهم اختلافاً كثيراً في كيفية الدعوة إلى الله في الوقت الحاضر، وخاصة حول الوسائل الحديثة للدعوة، وكيفية الاستفادة منها، والدخول إليها، وتطويعها للإسلام ومن هذه الوسائل التي كثر حولها الاختلاف، الحزب السياسي، ومجالس التشريع، (البرلمانات، ومجالس الأمة..، الخ). والنقابات، والاتحادات، والتجمعات، والجامعات والمدارس والمعاهد، وكذلك يختلف الدعاة حول تولي المناصب القيادية في الدول الإسلامية المعاصرة، أو الدول الأجنبية الكافرة، وهل مثل هذا العمل مشروع أم لا، وهل هو طريق موصل إلى تحقيق أهداف الرسالة الإسلامية أم لا..
وقد رأيت من واجبي حسم هذا الخلاف بحول الله وقوته، وإزالة الشقاق في ذلك، وبيان الرأي فيه مع الحجة والدليل آملاً من الله سبحانه وتعالى وراغباً إليه أن يكون هذا العمل خالصاً لوجهه، وأن يجعل منه فاتحة خير على الأمة الإسلامية بأسرها، وأن يجعل منه منطلقاً لأبناء الأمة ودعاة الإسلام ليحققوا لأمتهم العز والنصر والتمكين، وأن يعملوا لإزالة سلطان الكافرين وتصدر المنافقين المبطلين، ليتولى أمور الأمة أهلها، وتعود الأمانة إلى أصحابها، والأمور إلى نصابها. تحقيقاً لقوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}.
وأرجو ألا يبخل إخواني علي بالنصح والتسديد، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، فلنعمل جميعاً على سد ثغور الإسلام، ورتق الفتق في ثوبه، وجمع صفوف أبنائه، والانطلاق نحو العمل الجاد، والجهاد بكل أنواعه وأساليبه حتى تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
عبد الرحمن عبد الخالق
الكويت في الثاني من ربيع الآخر سنة 1406هـ
الموافق 14 من ديسمبر سنة 1985م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
|The.King|

المسلمون والعمل السياسي Default1
|The.King|


معلومات اضافية

الجنس : ذكر
المشاركات المشاركات : 193
نقاط التقييــم 4 نقاط الخبـــرة 5895
الدولة : مصر

المسلمون والعمل السياسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المسلمون والعمل السياسي   المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 14, 2009 11:07 am

الباب الأول: مقدمات في العمل السياسي
تعريفه، حكم العمل السياسي، السياسة النبوية، سياسة الراشدين،
حال المسلمين بعد سقوط الخلافة، واقعنا اليوم، اختلاف الدعاة في العمل السياسي
تعريف:
المقصود بالسياسة في العرف والاصطلاح الشائع اليوم هو: (قيادة الناس والاهتمام بالأمور العامة، وشؤون الحكم، وعلاقات الدول بعضها ببعض).
أولاً: السياسة من صميم الدين:
ومما لا شك فيه أن موضوع السياسة من صميم الدين، ومن تكاليف رب العالمين لأمة خير الأنبياء والمرسلين. والأدلة على هذا أكثر من أن تحصر، بل هذا من المعلوم من الدين ضرورة، فكل مسلم لا يجوز له أن يجهل أن الإسلام قد جاء لإنشاء أمة، وإقامة نظام ودولة، تقيم العدل، وتحارب الكفر والفساد وتطبق الأحكام، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لعله الرسول الوحيد بين الرسل الذي جمع في حياته بين مهمة الدعوة وواجبات الحكم والسيادة، فقد كان هادياً ومبشراً ونذيراً (كان هناك بعض الأنبياء ممن جمعوا بين ذلك كداود وسليمان، وأما الرسل فلم يتمكن رسول من الحكم الكامل والرسالة إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم)، وكذلك قد كان حاكماً وقاضياً، وقائد جيش، بل قد جعله الله مرجعاً للمسلمين في كل شجار وخلاف، قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} ولم يجعل الله له مندوحة من ترك تطبيق أحكام الدين حيث يقول له: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} وأمره بتكوين الجيوش والخروج للغزو والقتال ولو بنفسه فقط حيث يقول له: {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين} (سورة النساء:84).
بل إن الله أمر المؤمنين ألا يغادروا أماكنهم إذا كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في أمر جامع غزوة أو غيرها إلا باستئذان كما قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه} (سورة النور:62)، وهذا بالطبع يتنافى تماماً مع القول بأن الرسول مبلغ فقط أو مجرد مرشد أو موجه بل هو قائد مسؤول محاسب أمام الله على تصرفاته في قيادته، ومما يدلك على هذا عتاب الله له لأنه أذن لمجموعة من المسلمين أو المنافقين استأذنته قبل أن يعرف عذرهم، وهل هم صادقون أم كاذبون. قال تعالى: {عفى الله عنك لم أذنت لهم حتى تعلم الذين صدقوا وتعلم الكاذبين} (سورة التوبة:43) وكان هذا في غزوة تبوك.
والخلاصة أن النبي كان قائد أمة، وحاكم جماعة، وإمام دولة مع كونه نذيراً للعالمين، وبشيراً للمؤمنين، ومبلغاً للناس أجمعين، ولا شك أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ترك الناس على هذا الأساس، أعني أنهم أمة قائمة بأمر الله، وأنه لا بد وأن يكون فيهم خليفة يقوم بالأمر من بعده، بل توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وقد عقد راية لحرب الروم، وعين القائد على ذلك وهو "أسامة بن زيد" وكذلك أمر بإخراج اليهود من جزيرة العرب فقال: [أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب] (رواه مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، انظر صحيح الجامع (231)).
وعين رسول الله صلى الله عليه وسلم من يؤم المسلمين بالصلاة بعده فقال: [مروا أبا بكر فليصل بالناس] (رواه البخاري وأحمد والترمذي وابن ماجة (صحيح الجامع (5742))، وكان هذا منه إعلاناً بأنه الإمام والخليفة بعده، لأن الصلاة هي ركن الدين الأعظم بعد التوحيد.
كل هذا يدلك على أن إقامة الأمة والدولة والحكم من صلب الدين ومن واجباته الأساسية ولذلك أجمع المسلمون على ذلك في كل عصورهم. وأنه يجب تولية إمام وخليفة وجاء القرآن بذلك، والسنة كذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم: [من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية] (رواه مسلم)، وقال تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} (سورة النساء:58)، والمقصود هنا أمانة الحكم.
ثانياً: هل مارس رسول الله العمل السياسي قبل الهجرة؟!
وقد يظن ظان أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمارس العمل السياسي إلا بعد الهجرة وإقامة الدولة وهذا خطأ فاحش، لأن العمل السياسي أوسع من مفهوم الحكم، فقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم منذ أول يوم لدعوته يدعو إلى عقيدة مغايرة للمعتقد السائد، ويجمع الناس حول هذا المعتقد، وهذا في حقيقته عمل سياسي حسب مفهوم الناس وعرفهم اليوم، وكذلك أوجد النبي الجماعة السرية، ثم الجماعة العلنية التي تدعو إلى تغيير نظم المجتمع، وعقيدته، وتستخدم كل وسائل الإعلام المتاحة من الاتصال الفردي، والخطبة، والمناداة، والمشاعر الخاصة، والحرب الإعلامية المضادة للفكر والعقيدة الجاهلية السائدة، وهذا كله عمل سياسي، وكذلك لجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طلب الحماية والنصرة من بعض الكفار كما فعل مع نفر من أشراف الطائف (هم أخوة ثلاثة:عبد ياليل، ومسعود، وحبيب أبناء عمرو بن عمير بن عوف من ثقيف) في "الطائف" والنجاشي في "الحبشة" حيث كتب له الرسول صلى الله عليه وسلم التماساً بأن يؤوي المسلمين الفارين بدينهم، وكذلك عاهد الرسول الأنصار بعد إسلامهم في "العقبة الثانية" على النصرة، وهذه كلها أعمال سياسية بالمفهوم المعاصر. وكل هذه الأمور صنعها الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر، وبهذا يتبين أن النبي مارس العمل السياسي بالمفهوم العصري لكلمة "سياسة"، ولكن بالطبع حسب الضوابط الشرعية، والسياسية الربانية الإلهية وليس بمسلك السياسة الجاهلية اللادينية.
بل إن أعداءه مارسوا معه أيضاً سياستهم الجاهلية، وتجبرهم وغطرستهم، فقاتلهم الرسول بسياسة الإسلام الربانية المثلى.
والخلاصة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته كان داعياً إلى الله نبياً ورسولاً. ممارساً للسياسة الربانية الإلهية.
ثالثاً: نتائج السياسة النبوية:
وكلنا يعلم اليوم النتائج الباهرة للسياسة النبوية الإسلامية، فقد استطاع في عشرين عاماً من دعوته صلى الله عليه وسلم أن يتغلب على جميع العقبات التي اعترضت طريقه، وقد تغلب على المشركين الذين ناوؤه وأخرجوه، وحاربوه، والمنافقين الذين تآمروا ضده، وأفرغوا وسعهم في تعويق حركته وشل رسالته، واليهود الذين حاربوه بالإشاعات والأكاذيب ثم بدسائسهم، ومؤامراتهم، وسيوفهم. وتغلب أيضاً على القبائل الجاهلية، والأعراب والانتهازيين. واستطاع أن يحدث انقلاباً لا مثيل له في التاريخ قط في عقيدة أمة فينقلها من الشرك إلى التوحيد، ويخلقها -بفضل الله- خلقاً آخر في الأخلاق والصفات والمسلك، والعقيدة، وأن يقضي على آفات عظيمة كانت تتهددهم، كالفرقة، والخمر والميسر والزنا ومئات الشرور الأخرى. وهذه شهادة (دائرة المعارف البريطانية) عن الآثار والنتائج المذهلة التي حققها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في حياته:
"جاء محمد بدعوة جديدة هي دعوة الإسلام، وكان هذا الرسول صلى الله عليه وسلم أوفر الأنبياء والشخصيات الدينية حظاً من النجاح، فقد أنجز في عشرين عاماً في حياته ما عجزت عن إنجازه قرون من جهود المصلحين من اليهود والنصارى رغم السلطة الزمنية التي كانت تساند هؤلاء، ورغم أنه كان أمام الرسول صلى الله عليه وسلم تراث أجيال من الوثنية والخرافة والجهل والبغاء والربا والقمار ومعاقرة الخمر واضطهاد الضعفاء، والحروب الكثيرة بين القبائل العربية" أ.هـ (مادة قرآن: دائرة المعارف البريطانية).
بل وأن يهيئ هذه الأمة التي كانت بتلك المثابة لتكون خير أمة أخرجت للناس، وتخرج من هذه الجزيرة لتحطم عروش الطواغيت جميعاً، وتقيم أعظم أمة عرفتها الأرض على مدى ثلاثة عشر قرناً من الزمان بل على مدى الزمان كله إلى قيام الساعة عقيدة ومنهجاً وأخلاقاً وديناً.
ومثل هذا النجاح لا مثيل له في التاريخ قط، ولا شك أن ذلك كان بفضل الله أولاً ثم بالسياسة الحكيمة التي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وأعدائه.
ولا شك أن شرح السياسة النبوية أمر يطول. ولكن المهم هنا أن نذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد مارس سياسة شرعية كان من نتائجها هذا النجاح العظيم الذي شرحنا بعض أبعاده وآثاره.
رابعاً: السياسة في عهود الخلافة:
ومعلوم أن شؤون المسلمين السياسية تولاها الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خليفة إثر خليفة -قرباً وبعداً من الدين- وسياساته المثلى.
فكانت الخلافة الراشدة أعظم فترات التاريخ إشراقاً ثم "بنو أمية" و"بنو العباس" و"بنو أيوب" و"بنو عثمان" وغيرهم من حكم باسم الله، وتحت راية القرآن وسنة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.
ومعلوم أيضاً أن المسلمين حكاماً ومحكومين في كل هذه الفترات مارسوا السياسة الشرعية حسب مفاهيمهم واجتهاداتهم وكل ذلك في إطار التحاكم إلى الكتاب والسنة مرجعاً للجميع، وحاكماً على الإمام والرعية، وهادياً لكيفية التعامل مع غير المسلمين في أرض الإسلام والسلام، وفي أرض الكفر والحرب، وكان الجميع حكاماً ومحكومين يمارسون سياساتهم الشرعية أو التي ظنوها شرعية.
خامساً: الوضع الشاذ بعد سقوط الخلافة:
ولكن بعد سقوط آخر سلاطين (آل عثمان) (1345هـ/ 1927م) سقطت الخلافة الإسلامية التي استمرت ثلاثة عشر قرناً من الزمان. وقابل المسلمون بذلك في بلادهم الإسلامية أوضاعاً شاذة (الحق أن هذه الأوضاع الشاذة لم تبدأ بسقوط الخلافة وإنما بدأت بوقوع أقاليم العالم الإسلامي إقليماً بعد إقليم تحت سيطرة الاستعمار. فقد ابتدأ الاقتطاع من جسم الدول الإسلامية قبل سقوط الخلافة بكثير. ولكن المسلمين في كل إقليم كانوا يعللون أنفسهم أنهم ما زال لهم خلافة وسلطان) لم يكن لها شبيه طيلة القرون السابقة. وأهم أوجه الاختلاف ما بين الأوضاع المعاصرة والماضي ما يلي:
(1) قسمت أمة الإسلام إلى أقاليم جغرافية متعددة.
(2) كانت معظم هذه الأقاليم واقعة تحت سلطان العدو الكافر (إنجلترا وفرنسا وإيطاليا، وهولندا، وروسيا).
(3) أقام الكفار في كل إقليم حكومة تابعة لهم من أهالي البلاد ممن يطيع أمرهم ويستطيع أن يضبط الأوضاع في بلده.
(4) بدأ الكفار باستبدال القوانين والنظم الإسلامية المطبقة في حياة الناس بقوانين ونظم كافرة من عندهم.
(5) عمد الكفار إلى تغيير مناهج التعليم لإخراج أجيال جديدة تؤمن بالمفهوم الغربي للحياة، وتعادي العقيدة والنهج والشريعة الإسلامية.
(6) ألغيت الخلافة الإسلامية نهائياً، وأصبح العمل لاستردادها والدعوة إليها جريمة يعاقب عليها القانون.
(7) تحولت مقدرات المسلمين، وأموالهم، وثرواتهم نهباً للمستعمر الكافر الذي استغلها أسوأ استغلال واستذل المسلمين أعظم الذل.
ومعلوم أن المسلمين في كل مكان جاهدوا لتغيير هذه الأوضاع، وثاروا على الاستعمار والكفار في كل مكان إلى أن تحقق الاستقلال السياسي لكثير من أقاليم العالم الإسلامي، ولكن هذا الاستعمار لم يخرج من بلاد المسلمين وأقاليمهم إلا بعد أن ترك واقعاً مغايراً للدين يستحيل تغييره إلا بجهاد طويل. وهذا الواقع المخالف للدين يتمثل فيما يأتي:
سادساً: واقعنا اليوم:
(1) قيام حكومات من أبناء المسلمين أنفسهم، يتكلمون بلغتنا، وهم من بني جلدتنا، ولكنهم ورثوا واقعاً خلفه الاستعمار يتمثل في النظم والقوانين الغربية، والأجيال التي ربيت وفق الثقافة والمنهج الغربي.
(2) الحكومات التي خلفها الاستعمار بوجه عام كانت قد صنعت على عين الاستعمار ووفق تربيته، ومناهجه، وميوله، وقد أصبحت مصالح الاستعمار ببقاء هذه الحكومات وهددت هذه الحكومات بالإزالة عند أي محاولة للتغيير والتوجه إلى الشريعة الإسلامية أو العودة إلى نظام الخلافة. هذا مع ارتباط مصالح هؤلاء الحكام أنفسهم بالبقاء بالحكم الذي جعل لهم امتيازات هائلة، وسلطات مطلقة يصعب التفكير في التنازل عنها. فضلاً عن التخلي عن شيء منها.
(3) كان هم المستعمر الأول منذ وطئت قدماه أرض الوطن الإسلامي أن يعمل على تأصيل احتلاله، وتنفيذ مآربه ومخططاته في الحيلولة النهائية بين المسلمين والعودة إلى الدين من جديد، ولذلك فكر في وضع عقبات يصعب أو يستحيل إزالتها مع الزمان، تكون هذه العقبات حائلاً بين المسلمين والعودة إلى دينهم، وكان أعظم ما توصل إليه في ذلك، هو استبدال التشريع الإسلامي والقوانين الإسلامية، بدساتير وقوانين منقولة من دساتير وقوانين الكفار، وبذلك أقصيت الشريعة عن الحكم، وأعطيت مهمة التشريع لسلطة الحاكم الفرد، أو الحزب الحاكم، أو المجالس النيابية ولم تقيد سلطة التشريع هذه بكتاب أو سنة أو بمصادر التشريع الإسلامية فقط بل جعل التشريع من أي مصدر كان يستوي في هذا القرآن أو الإنجيل والتوراة أو القانون الإنجليزي والفرنسي، أو العرف والعادة أو أي مصدر من مصادر التشريع فالقرآن والسنة ليسا أكثر من مصدر من هذه المصادر لأفضل لهما على غيره. ومعلوم أن هذا هو الكفر بعينه لقوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} (النساء:65)، ولقوله: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} (المائدة:49)، ولقوله: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب} (البقرة:85) الآية.
(4) نظام اقتصادي يقوم على غير الإسلام، فإما نظام رأسمالي يبيح الربا، والامتيازات، ويسيء توزيع الثروة، ويقسم الناس إلى طبقات متفاوتة، وإما نظام شيوعي اشتراكي يهدر الطاقات، ويهدم الحافز، ويقتل كل إبداع، ويحرم الفرد من أهم حرياته وغاية وجوده.
(5) نظام تربوي يخرج أشباه المتعلمين ممن يتكلمون كثيراً ولا يفقهون إلا قليلاً، وممن يحملون شهادات عليا ولكن لا يمكن الاعتماد عليهم في دين أو دنيا وهكذا تعتمد البلاد الإسلامية اليوم في كل ميادين حياتها على خبراء من غير المسلمين حتى في النظافة والقضاء على الفئران والحشرات ناهيك بالبناء والصناعة والطرق، والحرب.. الخ.
(6) ازدواجية كاملة في الحياة حيث تعليم ديني ولا ديني، وقضاء شرعي، وقضاء مدني إسلام وكفر، ومطالبة بالشريعة، وعداء للشريعة، هذا إلى تخبط سياسي واقتصادي وتربوي واجتماعي لا مثيل له في كل دول العالم التي نجد فيها نسبة ما من التجانس والتقارب إلا في العالم الإسلامي حيث الاختلاف هو اختلاف الضد مع الضد.
هذا هو باختصار شديد الواقع الجديد الذي آلت إليه حال الأمة بعد سقوط الخلافة. وقد نشأ تبعاً لذلك التفكير في كيفية العمل السياسي والدعوة إلى الله في مثل هذه الأوضاع.
سابعاً: اختلاف الدعاة اليوم حول المفهوم السياسي:
وعندما نشأت هذه الأوضاع الشاذة اختلف المسلمون في العمل السياسي اختلافاً بيناً وكان اختلافهم في بعض نواحيه راجعاً إلى الاختلاف حول الحكم على الحكومات القائمة والحكام الموجودين: هل هم مسلمون أو كفار؟ فمن رأى أنهم كفار أفتى بأنه لا يجوز موالاتهم، ونصرهم، وطاعتهم، وتولي الولايات (الوظائف) لهم، وطلب الإذن بالدعوة منهم بل رأى أنه يجب حربهم والقضاء عليهم، وأنه يجوز بل يجب الخروج عليهم، بل اشتط بعض الناس فرأى أن توثيقهم لعقود الزواج والطلاق باطل كذلك، وأن الصلاة في مساجدهم التي يعينون لها الأئمة غير جائزة، لأنه لا يجوز للكافر أن يتولى مساجد المسلمين، أو يشرف عليها.
وطائفة أخرى من علماء المسلمين ودعاتهم رأوا أن هؤلاء الحكام وإن كانوا يحكمون بغير ما أنزل الله فهم مسلمون يصلى وراءهم، ويطاع أمرهم في غير معصية، ويقاتل معهم، ولا يجوز الخروج عليهم، ويطلب إذنهم وسماحهم في الدعوة والجهاد، وكل عمل سياسي.. الخ.
والحق أن في هذه المسألة تفصيل وقد شرحنا هذا التفصيل في مواضع كثيرة من كتابنا "فصول من السياسة الشرعية في الدعوة إلى الله" و "الدعوة إلى الله".
والمهم هنا التذكير بأن دعاة الإسلام يختلفون اليوم حول كيفية الدعوة إلى الله اختلافاً بيناً. فمع إيمان الجميع تقريباً أن الإسلام نظام شامل للحياة كلها، وأنه لا فرق فيه بين العبادة والسياسة والمعاملة والأخلاق، وأنه لا يجوز الفصل بين أحكامه، إلا أن كثيرين يرون من الحكمة ترك الاشتغال بالسياسة إلى أقوال أخرى لعلماء ومرشدين وقادة كلها تدعو إلى الانخراط في كل عمل يعز الأمة وينصرها، وأن الإسلام لا يوجد فيه الفرق بين الدين والسياسة، ولا الدين والمعاملة، ولا الدين والأخلاق والنظم والقوانين. فالدين جاء لتنظيم الحياة كلها، والدعوة إلى الله لا بد وأن تكون بالوسائل المكافئة لوسائل الأعداء.
والخلاصة: أن هناك في الدعوة الآن قولان رئيسيان: قول يرى وجوب قصر الدعوة إلى الله على الطرق القديمة التقليدية والوسائل السابقة كالخطبة والتأليف والاتصال الفردي، والدروس والمحاضرات، والمدارس والجامعات، ونحو ذلك، وقصر الدعوة كذلك في أبواب العلم والتوحيد والعبادة، والأخلاق وبعض المعاملات الخاصة. وقول آخر يرى وجوب استخدام الوسائل الحديثة كالحزب، والوظيفة القيادية، والأجهزة الحكومية والجمعيات، والنقابات، والاتحادات الطلابية والعمالية، والمهنية، ووسائل النشر الحديثة، كالمذياع، والتلفاز، والمجلة، والصحيفة. ولو أدى استخدام هذه الوسائل إلى الصراع مع أهل الباطل فكرياً وعملياً لأنه من المعلوم أن امتلاك مثل هذه الوسائل واستخدامها سيؤدي بالضرورة إلى الصدام الفكري والحركي والعملي مع الأحزاب والتنظيمات الأخرى والعقائد المضادة التي تحاول أيضاً هي بدورها الوصول والاستيلاء على هذه الوسائل، والتي تستطيع من خلالها التشريع، والتقنين، والتربية، وصبغ الشعب بالصبغة التي يريدون، وتوجيهه إلى المنهج الذي يحبون.
ولا شك أيضاً أنه يوجد بين هذين الرأيين الرئيسيين آراء أخرى منها: وجوب العزلة عن هذا المجتمع كلياً، وبناء مجتمع آخر بعيد عن هذه المجتمعات، ومنها: القول بأن الوسائل السلمية في الدعوة لا تجدي نفعاً وأنه لا بد من تحطيم المجتمع القائم بالقوة تمهيداً لقيام مجتمع آخر على أنقاضه.. إلى أقوال كثيرة ليس المجال مجال بسطها وشرحها. والرد عليها، وخاصة بعد أن أثبتت التجارب المريرة خيبتها الذريعة وجهلها المطبق.
ولذلك فلن نناقش هنا القول بالعزلة والخروج من المجتمع ولا القول بأن الوسائل السلمية لا تجدي نفعاً، وقد ناقشنا هذه الأقوال في مواطن أخرى.
وإنما سنهتم فقط بمناقشة القولين الرئيسين الأوليين وهما:
(أ) القول بأن الدعوة يجب أن تكون بالوسائل التقليدية السابقة وأنه لا يجوز أو لا يستحسن استخدام الوسائل الحديثة (الأحزاب، والجمعيات، والنقابات، والاتحادات.. الخ) وأن الدعوة يجب أيضاً أن تقتصر على تطهير المعتقد، وتصحيح العبادة، وتربية الأخلاق، والبعد بالنفس عن المعاملات المحرمة.
(ب) والقول الثاني الذي يرى وجوب استخدام كل وسيلة ما دام أنه لم يأت نص بتحريمها وسلوك كل طريق يؤدي إلى هدف من أهداف الدعوة كهداية الناس أو إقامة الحجة. أو نصر دين الله في الأرض، ونقل السلطان من أيدي الكفرة والظلمة والفسقة إلى أيدي المؤمنين.
وأنت إذا نظرت إلى كل قول من هذين القولين رأيت فيه جوانب من الصواب لا يجوز إغفالها وجوانب من الخطأ يجب التنبه إليها.
فالقول الأول: فيه من الصواب أنه يأمر بالتأني في تربية الجيل المسلم، وتنشئته نشأة صالحة طيبة، وتطهير عقيدته، وأخلاقه ومعاملاته، وتأخير الزج به في المعترك السياسي، الذي يكون من مستلزماته الظهور، والفتنة والغرور، وقسوة القلوب، والاستعانة بالحطمة من الناس، وطلاب الدنيا، ممن يحبون ركوب الموجة، وأن تحملهم الدعوة إلى المناصب والوجاهات، والمراكز ثم تكون الدعوة بعد ذلك في آخر أولوياتهم بل قد يتنكرون للدعوة عندما يصلون إلى مبتغاهم وأهدافهم، وهكذا تكون الدعوة سلماً لهم ومطية إلى أهدافهم. وكذلك قد يدخل ميدان الصراع والجهاد مع الباطل أناس من عامة الناس لم يتربوا على عقائد الدين وأخلاقه، فيمارسون صراعهم السياسي بأخلاق الجاهلية من كذب وغش وخيانة أمانة، ونقض عهد، وإخلاف وعد.. فيكونون بممارساتهم السيئة وأخلاقهم الردية دعاية سيئة للدين، وسبة على الإسلام والمسلمين، وتنفيراً عن رسالة رب العالمين. وقد يموت هؤلاء في جهاد وفتنة وهم بعد لم يصححوا عقيدتهم، ولم يؤمنوا الإيمان الواجب بربهم وإلههم، ولم يصححوا -أيضاً- عباداتهم، ومعاملاتهم فيموتون على شرك أو بدعة، أو ضلالة أو إثم.. وهم أمام الناس والعالم دعاة مجاهدون!!.
ثم إن من صواب "الرأي الأول" أيضاً أن المتعجلين للدخول في المعترك السياسي قد يدخلون بقوى صغيرة، وبمجموعات ناشئة غضة، لا تقوى على مواجهة قوى جاهلية متمرسة، حاقدة، فتكون النتيجة بالطبع إحباط هذه القوى الإسلامية الناشئة، وتشتيتها وتضييعها.. الخ.
ولا شك إن هذه انتقادات صحيحة، ومخاطر واقعة بالفعل، وليست متوهمة أو مظنونة ولكنها مع ذلك ليست دليلاً شرعياً على عدم جواز استخدام هذه الوسائل العصرية أو ما يسمى بالوسائل السياسية في الدعوة إلى الله. بل هذه محاذير يمكن تجاوزها، والاحتياط لها، والاستفادة من الثغرات والتجارب التي مر بها الآخرون في هذا السبيل، ولا يجوز بتاتاً أن تكون هذه المخاوف سبيلاً إلى ترك الساحة السياسية نهباً لأعداء الإسلام وحدهم، ومسرحاً ومراحاً لكل عقائد الكفر، وأن يبقى الإسلام بعيداً عن الاتصال بالناس والتأثير فيهم، وتوجيه مسارهم.
ولا شك -أيضاً- أن من أخطاء المنهج الأول أنه يفرض أقوالاً في الدين لا دليل عليها كتحريم الجماعة والحزب، والجمعية، والنقابة.. الخ، ومثل هذه الأمور الأصل فيها الإباحة ولكنها تكون واجبة أحياناً كجماعة المسلمين، وجماعة الدعوة القادرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصورة فعالة من باب "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، وقد تكون مستحبة كالجمعية والهيئة التي تتعاون على فتح جامعة أو مدرسة، أو نشر كتاب، ونحو ذلك. وقد تكون مباحة فقط إذا كان تجمعاً همه نفع دنيوي لأصحابه، ولا شك أيضاً أن هذه التجمعات قد تكون إثماً أو حراماً إذا كان تجمعها على باطل وشر وزور من باب قوله تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (المائدة:2).
ثم إن من أخطاء "المسلك الأول" تحجير الدين، وتأخير الإسلام والمسلمين، والاكتفاء بوسائل بدائية لحرب أعداء الدين، ففي الوقت الذي يحارب الكفار المسلمين بالمؤسسات والأحزاب والنقابات والجمعيات والهيئات والدول والأنظمة، ووسائل الإعلام الفتاكة المؤثرة نريد أن نحاربهم بالأعمال الفردية المتناثرة، وبتأليف رسالة، وخطبة جمعة.. الخ فيصبح الشأن كمن يريد أن يواجه الطائرة بالرمح، والدبابة بالحصان، والصاروخ بالقوس والنشاب.. الخ.
ولا شك أن هذه معركة خاسرة، وضلال في الفهم والعمل، وأنه مهما استخدمت هذه الوسائل التقليدية في الدعوة والجهاد فإنها يستحيل أن تؤدي إلى نصر الدين، وإعزاز المسلمين، وتحقيق أهداف الرسالة الإسلامية العظمى التي نص الله عليها بقوله: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً} (الفتح:28). فكيف يظهر الإسلام على الأديان كلها وهو لا يستخدم وسائل مكافئة وأساليب مناسبة للقضاء على الأديان الباطلة؟!.
ولكننا من خلال مناقشة الرأيين السالفين، وبيان جوانب الصواب والخطأ في كل منهما على وجه الإجمال لا التفصيل نحب هنا أن نضع (الضوابط الشرعية) التي يجب سلوكها والالتزام بها في أي عمل سياسي من أعمال الدعوة إلي الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
|The.King|

المسلمون والعمل السياسي Default1
|The.King|


معلومات اضافية

الجنس : ذكر
المشاركات المشاركات : 193
نقاط التقييــم 4 نقاط الخبـــرة 5895
الدولة : مصر

المسلمون والعمل السياسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المسلمون والعمل السياسي   المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 14, 2009 11:10 am

الباب الأول: مقدمات في العمل السياسي

تعريفه، حكم العمل السياسي، السياسة النبوية، سياسة الراشدين،

حال المسلمين بعد سقوط الخلافة، واقعنا اليوم، اختلاف الدعاة في العمل السياسي

تعريف:

المقصود بالسياسة في العرف والاصطلاح الشائع اليوم هو: (قيادة الناس والاهتمام بالأمور العامة، وشؤون الحكم، وعلاقات الدول بعضها ببعض).

أولاً: السياسة من صميم الدين:

ومما لا شك فيه أن موضوع السياسة من صميم الدين، ومن تكاليف رب العالمين لأمة خير الأنبياء والمرسلين. والأدلة على هذا أكثر من أن تحصر، بل هذا من المعلوم من الدين ضرورة، فكل مسلم لا يجوز له أن يجهل أن الإسلام قد جاء لإنشاء أمة، وإقامة نظام ودولة، تقيم العدل، وتحارب الكفر والفساد وتطبق الأحكام، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لعله الرسول الوحيد بين الرسل الذي جمع في حياته بين مهمة الدعوة وواجبات الحكم والسيادة، فقد كان هادياً ومبشراً ونذيراً (كان هناك بعض الأنبياء ممن جمعوا بين ذلك كداود وسليمان، وأما الرسل فلم يتمكن رسول من الحكم الكامل والرسالة إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم)، وكذلك قد كان حاكماً وقاضياً، وقائد جيش، بل قد جعله الله مرجعاً للمسلمين في كل شجار وخلاف، قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} ولم يجعل الله له مندوحة من ترك تطبيق أحكام الدين حيث يقول له: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} وأمره بتكوين الجيوش والخروج للغزو والقتال ولو بنفسه فقط حيث يقول له: {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين} (سورة النساء:84).

بل إن الله أمر المؤمنين ألا يغادروا أماكنهم إذا كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في أمر جامع غزوة أو غيرها إلا باستئذان كما قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه} (سورة النور:62)، وهذا بالطبع يتنافى تماماً مع القول بأن الرسول مبلغ فقط أو مجرد مرشد أو موجه بل هو قائد مسؤول محاسب أمام الله على تصرفاته في قيادته، ومما يدلك على هذا عتاب الله له لأنه أذن لمجموعة من المسلمين أو المنافقين استأذنته قبل أن يعرف عذرهم، وهل هم صادقون أم كاذبون. قال تعالى: {عفى الله عنك لم أذنت لهم حتى تعلم الذين صدقوا وتعلم الكاذبين} (سورة التوبة:43) وكان هذا في غزوة تبوك.

والخلاصة أن النبي كان قائد أمة، وحاكم جماعة، وإمام دولة مع كونه نذيراً للعالمين، وبشيراً للمؤمنين، ومبلغاً للناس أجمعين، ولا شك أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ترك الناس على هذا الأساس، أعني أنهم أمة قائمة بأمر الله، وأنه لا بد وأن يكون فيهم خليفة يقوم بالأمر من بعده، بل توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وقد عقد راية لحرب الروم، وعين القائد على ذلك وهو "أسامة بن زيد" وكذلك أمر بإخراج اليهود من جزيرة العرب فقال: [أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب] (رواه مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، انظر صحيح الجامع (231)).

وعين رسول الله صلى الله عليه وسلم من يؤم المسلمين بالصلاة بعده فقال: [مروا أبا بكر فليصل بالناس] (رواه البخاري وأحمد والترمذي وابن ماجة (صحيح الجامع (5742))، وكان هذا منه إعلاناً بأنه الإمام والخليفة بعده، لأن الصلاة هي ركن الدين الأعظم بعد التوحيد.

كل هذا يدلك على أن إقامة الأمة والدولة والحكم من صلب الدين ومن واجباته الأساسية ولذلك أجمع المسلمون على ذلك في كل عصورهم. وأنه يجب تولية إمام وخليفة وجاء القرآن بذلك، والسنة كذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم: [من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية] (رواه مسلم)، وقال تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} (سورة النساء:58)، والمقصود هنا أمانة الحكم.

ثانياً: هل مارس رسول الله العمل السياسي قبل الهجرة؟!

وقد يظن ظان أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمارس العمل السياسي إلا بعد الهجرة وإقامة الدولة وهذا خطأ فاحش، لأن العمل السياسي أوسع من مفهوم الحكم، فقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم منذ أول يوم لدعوته يدعو إلى عقيدة مغايرة للمعتقد السائد، ويجمع الناس حول هذا المعتقد، وهذا في حقيقته عمل سياسي حسب مفهوم الناس وعرفهم اليوم، وكذلك أوجد النبي الجماعة السرية، ثم الجماعة العلنية التي تدعو إلى تغيير نظم المجتمع، وعقيدته، وتستخدم كل وسائل الإعلام المتاحة من الاتصال الفردي، والخطبة، والمناداة، والمشاعر الخاصة، والحرب الإعلامية المضادة للفكر والعقيدة الجاهلية السائدة، وهذا كله عمل سياسي، وكذلك لجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طلب الحماية والنصرة من بعض الكفار كما فعل مع نفر من أشراف الطائف (هم أخوة ثلاثة:عبد ياليل، ومسعود، وحبيب أبناء عمرو بن عمير بن عوف من ثقيف) في "الطائف" والنجاشي في "الحبشة" حيث كتب له الرسول صلى الله عليه وسلم التماساً بأن يؤوي المسلمين الفارين بدينهم، وكذلك عاهد الرسول الأنصار بعد إسلامهم في "العقبة الثانية" على النصرة، وهذه كلها أعمال سياسية بالمفهوم المعاصر. وكل هذه الأمور صنعها الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر، وبهذا يتبين أن النبي مارس العمل السياسي بالمفهوم العصري لكلمة "سياسة"، ولكن بالطبع حسب الضوابط الشرعية، والسياسية الربانية الإلهية وليس بمسلك السياسة الجاهلية اللادينية.

بل إن أعداءه مارسوا معه أيضاً سياستهم الجاهلية، وتجبرهم وغطرستهم، فقاتلهم الرسول بسياسة الإسلام الربانية المثلى.

والخلاصة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته كان داعياً إلى الله نبياً ورسولاً. ممارساً للسياسة الربانية الإلهية.

ثالثاً: نتائج السياسة النبوية:

وكلنا يعلم اليوم النتائج الباهرة للسياسة النبوية الإسلامية، فقد استطاع في عشرين عاماً من دعوته صلى الله عليه وسلم أن يتغلب على جميع العقبات التي اعترضت طريقه، وقد تغلب على المشركين الذين ناوؤه وأخرجوه، وحاربوه، والمنافقين الذين تآمروا ضده، وأفرغوا وسعهم في تعويق حركته وشل رسالته، واليهود الذين حاربوه بالإشاعات والأكاذيب ثم بدسائسهم، ومؤامراتهم، وسيوفهم. وتغلب أيضاً على القبائل الجاهلية، والأعراب والانتهازيين. واستطاع أن يحدث انقلاباً لا مثيل له في التاريخ قط في عقيدة أمة فينقلها من الشرك إلى التوحيد، ويخلقها -بفضل الله- خلقاً آخر في الأخلاق والصفات والمسلك، والعقيدة، وأن يقضي على آفات عظيمة كانت تتهددهم، كالفرقة، والخمر والميسر والزنا ومئات الشرور الأخرى. وهذه شهادة (دائرة المعارف البريطانية) عن الآثار والنتائج المذهلة التي حققها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في حياته:

"جاء محمد بدعوة جديدة هي دعوة الإسلام، وكان هذا الرسول صلى الله عليه وسلم أوفر الأنبياء والشخصيات الدينية حظاً من النجاح، فقد أنجز في عشرين عاماً في حياته ما عجزت عن إنجازه قرون من جهود المصلحين من اليهود والنصارى رغم السلطة الزمنية التي كانت تساند هؤلاء، ورغم أنه كان أمام الرسول صلى الله عليه وسلم تراث أجيال من الوثنية والخرافة والجهل والبغاء والربا والقمار ومعاقرة الخمر واضطهاد الضعفاء، والحروب الكثيرة بين القبائل العربية" أ.هـ (مادة قرآن: دائرة المعارف البريطانية).

بل وأن يهيئ هذه الأمة التي كانت بتلك المثابة لتكون خير أمة أخرجت للناس، وتخرج من هذه الجزيرة لتحطم عروش الطواغيت جميعاً، وتقيم أعظم أمة عرفتها الأرض على مدى ثلاثة عشر قرناً من الزمان بل على مدى الزمان كله إلى قيام الساعة عقيدة ومنهجاً وأخلاقاً وديناً.

ومثل هذا النجاح لا مثيل له في التاريخ قط، ولا شك أن ذلك كان بفضل الله أولاً ثم بالسياسة الحكيمة التي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وأعدائه.

ولا شك أن شرح السياسة النبوية أمر يطول. ولكن المهم هنا أن نذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد مارس سياسة شرعية كان من نتائجها هذا النجاح العظيم الذي شرحنا بعض أبعاده وآثاره.

رابعاً: السياسة في عهود الخلافة:

ومعلوم أن شؤون المسلمين السياسية تولاها الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خليفة إثر خليفة -قرباً وبعداً من الدين- وسياساته المثلى.

فكانت الخلافة الراشدة أعظم فترات التاريخ إشراقاً ثم "بنو أمية" و"بنو العباس" و"بنو أيوب" و"بنو عثمان" وغيرهم من حكم باسم الله، وتحت راية القرآن وسنة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.

ومعلوم أيضاً أن المسلمين حكاماً ومحكومين في كل هذه الفترات مارسوا السياسة الشرعية حسب مفاهيمهم واجتهاداتهم وكل ذلك في إطار التحاكم إلى الكتاب والسنة مرجعاً للجميع، وحاكماً على الإمام والرعية، وهادياً لكيفية التعامل مع غير المسلمين في أرض الإسلام والسلام، وفي أرض الكفر والحرب، وكان الجميع حكاماً ومحكومين يمارسون سياساتهم الشرعية أو التي ظنوها شرعية.

خامساً: الوضع الشاذ بعد سقوط الخلافة:

ولكن بعد سقوط آخر سلاطين (آل عثمان) (1345هـ/ 1927م) سقطت الخلافة الإسلامية التي استمرت ثلاثة عشر قرناً من الزمان. وقابل المسلمون بذلك في بلادهم الإسلامية أوضاعاً شاذة (الحق أن هذه الأوضاع الشاذة لم تبدأ بسقوط الخلافة وإنما بدأت بوقوع أقاليم العالم الإسلامي إقليماً بعد إقليم تحت سيطرة الاستعمار. فقد ابتدأ الاقتطاع من جسم الدول الإسلامية قبل سقوط الخلافة بكثير. ولكن المسلمين في كل إقليم كانوا يعللون أنفسهم أنهم ما زال لهم خلافة وسلطان) لم يكن لها شبيه طيلة القرون السابقة. وأهم أوجه الاختلاف ما بين الأوضاع المعاصرة والماضي ما يلي:

(1) قسمت أمة الإسلام إلى أقاليم جغرافية متعددة.

(2) كانت معظم هذه الأقاليم واقعة تحت سلطان العدو الكافر (إنجلترا وفرنسا وإيطاليا، وهولندا، وروسيا).

(3) أقام الكفار في كل إقليم حكومة تابعة لهم من أهالي البلاد ممن يطيع أمرهم ويستطيع أن يضبط الأوضاع في بلده.

(4) بدأ الكفار باستبدال القوانين والنظم الإسلامية المطبقة في حياة الناس بقوانين ونظم كافرة من عندهم.

(5) عمد الكفار إلى تغيير مناهج التعليم لإخراج أجيال جديدة تؤمن بالمفهوم الغربي للحياة، وتعادي العقيدة والنهج والشريعة الإسلامية.

(6) ألغيت الخلافة الإسلامية نهائياً، وأصبح العمل لاستردادها والدعوة إليها جريمة يعاقب عليها القانون.

(7) تحولت مقدرات المسلمين، وأموالهم، وثرواتهم نهباً للمستعمر الكافر الذي استغلها أسوأ استغلال واستذل المسلمين أعظم الذل.

ومعلوم أن المسلمين في كل مكان جاهدوا لتغيير هذه الأوضاع، وثاروا على الاستعمار والكفار في كل مكان إلى أن تحقق الاستقلال السياسي لكثير من أقاليم العالم الإسلامي، ولكن هذا الاستعمار لم يخرج من بلاد المسلمين وأقاليمهم إلا بعد أن ترك واقعاً مغايراً للدين يستحيل تغييره إلا بجهاد طويل. وهذا الواقع المخالف للدين يتمثل فيما يأتي:

سادساً: واقعنا اليوم:

(1) قيام حكومات من أبناء المسلمين أنفسهم، يتكلمون بلغتنا، وهم من بني جلدتنا، ولكنهم ورثوا واقعاً خلفه الاستعمار يتمثل في النظم والقوانين الغربية، والأجيال التي ربيت وفق الثقافة والمنهج الغربي.

(2) الحكومات التي خلفها الاستعمار بوجه عام كانت قد صنعت على عين الاستعمار ووفق تربيته، ومناهجه، وميوله، وقد أصبحت مصالح الاستعمار ببقاء هذه الحكومات وهددت هذه الحكومات بالإزالة عند أي محاولة للتغيير والتوجه إلى الشريعة الإسلامية أو العودة إلى نظام الخلافة. هذا مع ارتباط مصالح هؤلاء الحكام أنفسهم بالبقاء بالحكم الذي جعل لهم امتيازات هائلة، وسلطات مطلقة يصعب التفكير في التنازل عنها. فضلاً عن التخلي عن شيء منها.

(3) كان هم المستعمر الأول منذ وطئت قدماه أرض الوطن الإسلامي أن يعمل على تأصيل احتلاله، وتنفيذ مآربه ومخططاته في الحيلولة النهائية بين المسلمين والعودة إلى الدين من جديد، ولذلك فكر في وضع عقبات يصعب أو يستحيل إزالتها مع الزمان، تكون هذه العقبات حائلاً بين المسلمين والعودة إلى دينهم، وكان أعظم ما توصل إليه في ذلك، هو استبدال التشريع الإسلامي والقوانين الإسلامية، بدساتير وقوانين منقولة من دساتير وقوانين الكفار، وبذلك أقصيت الشريعة عن الحكم، وأعطيت مهمة التشريع لسلطة الحاكم الفرد، أو الحزب الحاكم، أو المجالس النيابية ولم تقيد سلطة التشريع هذه بكتاب أو سنة أو بمصادر التشريع الإسلامية فقط بل جعل التشريع من أي مصدر كان يستوي في هذا القرآن أو الإنجيل والتوراة أو القانون الإنجليزي والفرنسي، أو العرف والعادة أو أي مصدر من مصادر التشريع فالقرآن والسنة ليسا أكثر من مصدر من هذه المصادر لأفضل لهما على غيره. ومعلوم أن هذا هو الكفر بعينه لقوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} (النساء:65)، ولقوله: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} (المائدة:49)، ولقوله: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب} (البقرة:85) الآية.

(4) نظام اقتصادي يقوم على غير الإسلام، فإما نظام رأسمالي يبيح الربا، والامتيازات، ويسيء توزيع الثروة، ويقسم الناس إلى طبقات متفاوتة، وإما نظام شيوعي اشتراكي يهدر الطاقات، ويهدم الحافز، ويقتل كل إبداع، ويحرم الفرد من أهم حرياته وغاية وجوده.

(5) نظام تربوي يخرج أشباه المتعلمين ممن يتكلمون كثيراً ولا يفقهون إلا قليلاً، وممن يحملون شهادات عليا ولكن لا يمكن الاعتماد عليهم في دين أو دنيا وهكذا تعتمد البلاد الإسلامية اليوم في كل ميادين حياتها على خبراء من غير المسلمين حتى في النظافة والقضاء على الفئران والحشرات ناهيك بالبناء والصناعة والطرق، والحرب.. الخ.

(6) ازدواجية كاملة في الحياة حيث تعليم ديني ولا ديني، وقضاء شرعي، وقضاء مدني إسلام وكفر، ومطالبة بالشريعة، وعداء للشريعة، هذا إلى تخبط سياسي واقتصادي وتربوي واجتماعي لا مثيل له في كل دول العالم التي نجد فيها نسبة ما من التجانس والتقارب إلا في العالم الإسلامي حيث الاختلاف هو اختلاف الضد مع الضد.

هذا هو باختصار شديد الواقع الجديد الذي آلت إليه حال الأمة بعد سقوط الخلافة. وقد نشأ تبعاً لذلك التفكير في كيفية العمل السياسي والدعوة إلى الله في مثل هذه الأوضاع.

سابعاً: اختلاف الدعاة اليوم حول المفهوم السياسي:

وعندما نشأت هذه الأوضاع الشاذة اختلف المسلمون في العمل السياسي اختلافاً بيناً وكان اختلافهم في بعض نواحيه راجعاً إلى الاختلاف حول الحكم على الحكومات القائمة والحكام الموجودين: هل هم مسلمون أو كفار؟ فمن رأى أنهم كفار أفتى بأنه لا يجوز موالاتهم، ونصرهم، وطاعتهم، وتولي الولايات (الوظائف) لهم، وطلب الإذن بالدعوة منهم بل رأى أنه يجب حربهم والقضاء عليهم، وأنه يجوز بل يجب الخروج عليهم، بل اشتط بعض الناس فرأى أن توثيقهم لعقود الزواج والطلاق باطل كذلك، وأن الصلاة في مساجدهم التي يعينون لها الأئمة غير جائزة، لأنه لا يجوز للكافر أن يتولى مساجد المسلمين، أو يشرف عليها.

وطائفة أخرى من علماء المسلمين ودعاتهم رأوا أن هؤلاء الحكام وإن كانوا يحكمون بغير ما أنزل الله فهم مسلمون يصلى وراءهم، ويطاع أمرهم في غير معصية، ويقاتل معهم، ولا يجوز الخروج عليهم، ويطلب إذنهم وسماحهم في الدعوة والجهاد، وكل عمل سياسي.. الخ.

والحق أن في هذه المسألة تفصيل وقد شرحنا هذا التفصيل في مواضع كثيرة من كتابنا "فصول من السياسة الشرعية في الدعوة إلى الله" و "الدعوة إلى الله".

والمهم هنا التذكير بأن دعاة الإسلام يختلفون اليوم حول كيفية الدعوة إلى الله اختلافاً بيناً. فمع إيمان الجميع تقريباً أن الإسلام نظام شامل للحياة كلها، وأنه لا فرق فيه بين العبادة والسياسة والمعاملة والأخلاق، وأنه لا يجوز الفصل بين أحكامه، إلا أن كثيرين يرون من الحكمة ترك الاشتغال بالسياسة إلى أقوال أخرى لعلماء ومرشدين وقادة كلها تدعو إلى الانخراط في كل عمل يعز الأمة وينصرها، وأن الإسلام لا يوجد فيه الفرق بين الدين والسياسة، ولا الدين والمعاملة، ولا الدين والأخلاق والنظم والقوانين. فالدين جاء لتنظيم الحياة كلها، والدعوة إلى الله لا بد وأن تكون بالوسائل المكافئة لوسائل الأعداء.

والخلاصة: أن هناك في الدعوة الآن قولان رئيسيان: قول يرى وجوب قصر الدعوة إلى الله على الطرق القديمة التقليدية والوسائل السابقة كالخطبة والتأليف والاتصال الفردي، والدروس والمحاضرات، والمدارس والجامعات، ونحو ذلك، وقصر الدعوة كذلك في أبواب العلم والتوحيد والعبادة، والأخلاق وبعض المعاملات الخاصة. وقول آخر يرى وجوب استخدام الوسائل الحديثة كالحزب، والوظيفة القيادية، والأجهزة الحكومية والجمعيات، والنقابات، والاتحادات الطلابية والعمالية، والمهنية، ووسائل النشر الحديثة، كالمذياع، والتلفاز، والمجلة، والصحيفة. ولو أدى استخدام هذه الوسائل إلى الصراع مع أهل الباطل فكرياً وعملياً لأنه من المعلوم أن امتلاك مثل هذه الوسائل واستخدامها سيؤدي بالضرورة إلى الصدام الفكري والحركي والعملي مع الأحزاب والتنظيمات الأخرى والعقائد المضادة التي تحاول أيضاً هي بدورها الوصول والاستيلاء على هذه الوسائل، والتي تستطيع من خلالها التشريع، والتقنين، والتربية، وصبغ الشعب بالصبغة التي يريدون، وتوجيهه إلى المنهج الذي يحبون.

ولا شك أيضاً أنه يوجد بين هذين الرأيين الرئيسيين آراء أخرى منها: وجوب العزلة عن هذا المجتمع كلياً، وبناء مجتمع آخر بعيد عن هذه المجتمعات، ومنها: القول بأن الوسائل السلمية في الدعوة لا تجدي نفعاً وأنه لا بد من تحطيم المجتمع القائم بالقوة تمهيداً لقيام مجتمع آخر على أنقاضه.. إلى أقوال كثيرة ليس المجال مجال بسطها وشرحها. والرد عليها، وخاصة بعد أن أثبتت التجارب المريرة خيبتها الذريعة وجهلها المطبق.

ولذلك فلن نناقش هنا القول بالعزلة والخروج من المجتمع ولا القول بأن الوسائل السلمية لا تجدي نفعاً، وقد ناقشنا هذه الأقوال في مواطن أخرى.

وإنما سنهتم فقط بمناقشة القولين الرئيسين الأوليين وهما:

(أ) القول بأن الدعوة يجب أن تكون بالوسائل التقليدية السابقة وأنه لا يجوز أو لا يستحسن استخدام الوسائل الحديثة (الأحزاب، والجمعيات، والنقابات، والاتحادات.. الخ) وأن الدعوة يجب أيضاً أن تقتصر على تطهير المعتقد، وتصحيح العبادة، وتربية الأخلاق، والبعد بالنفس عن المعاملات المحرمة.

(ب) والقول الثاني الذي يرى وجوب استخدام كل وسيلة ما دام أنه لم يأت نص بتحريمها وسلوك كل طريق يؤدي إلى هدف من أهداف الدعوة كهداية الناس أو إقامة الحجة. أو نصر دين الله في الأرض، ونقل السلطان من أيدي الكفرة والظلمة والفسقة إلى أيدي المؤمنين.

وأنت إذا نظرت إلى كل قول من هذين القولين رأيت فيه جوانب من الصواب لا يجوز إغفالها وجوانب من الخطأ يجب التنبه إليها.

فالقول الأول: فيه من الصواب أنه يأمر بالتأني في تربية الجيل المسلم، وتنشئته نشأة صالحة طيبة، وتطهير عقيدته، وأخلاقه ومعاملاته، وتأخير الزج به في المعترك السياسي، الذي يكون من مستلزماته الظهور، والفتنة والغرور، وقسوة القلوب، والاستعانة بالحطمة من الناس، وطلاب الدنيا، ممن يحبون ركوب الموجة، وأن تحملهم الدعوة إلى المناصب والوجاهات، والمراكز ثم تكون الدعوة بعد ذلك في آخر أولوياتهم بل قد يتنكرون للدعوة عندما يصلون إلى مبتغاهم وأهدافهم، وهكذا تكون الدعوة سلماً لهم ومطية إلى أهدافهم. وكذلك قد يدخل ميدان الصراع والجهاد مع الباطل أناس من عامة الناس لم يتربوا على عقائد الدين وأخلاقه، فيمارسون صراعهم السياسي بأخلاق الجاهلية من كذب وغش وخيانة أمانة، ونقض عهد، وإخلاف وعد.. فيكونون بممارساتهم السيئة وأخلاقهم الردية دعاية سيئة للدين، وسبة على الإسلام والمسلمين، وتنفيراً عن رسالة رب العالمين. وقد يموت هؤلاء في جهاد وفتنة وهم بعد لم يصححوا عقيدتهم، ولم يؤمنوا الإيمان الواجب بربهم وإلههم، ولم يصححوا -أيضاً- عباداتهم، ومعاملاتهم فيموتون على شرك أو بدعة، أو ضلالة أو إثم.. وهم أمام الناس والعالم دعاة مجاهدون!!.

ثم إن من صواب "الرأي الأول" أيضاً أن المتعجلين للدخول في المعترك السياسي قد يدخلون بقوى صغيرة، وبمجموعات ناشئة غضة، لا تقوى على مواجهة قوى جاهلية متمرسة، حاقدة، فتكون النتيجة بالطبع إحباط هذه القوى الإسلامية الناشئة، وتشتيتها وتضييعها.. الخ.

ولا شك إن هذه انتقادات صحيحة، ومخاطر واقعة بالفعل، وليست متوهمة أو مظنونة ولكنها مع ذلك ليست دليلاً شرعياً على عدم جواز استخدام هذه الوسائل العصرية أو ما يسمى بالوسائل السياسية في الدعوة إلى الله. بل هذه محاذير يمكن تجاوزها، والاحتياط لها، والاستفادة من الثغرات والتجارب التي مر بها الآخرون في هذا السبيل، ولا يجوز بتاتاً أن تكون هذه المخاوف سبيلاً إلى ترك الساحة السياسية نهباً لأعداء الإسلام وحدهم، ومسرحاً ومراحاً لكل عقائد الكفر، وأن يبقى الإسلام بعيداً عن الاتصال بالناس والتأثير فيهم، وتوجيه مسارهم.

ولا شك -أيضاً- أن من أخطاء المنهج الأول أنه يفرض أقوالاً في الدين لا دليل عليها كتحريم الجماعة والحزب، والجمعية، والنقابة.. الخ، ومثل هذه الأمور الأصل فيها الإباحة ولكنها تكون واجبة أحياناً كجماعة المسلمين، وجماعة الدعوة القادرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصورة فعالة من باب "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، وقد تكون مستحبة كالجمعية والهيئة التي تتعاون على فتح جامعة أو مدرسة، أو نشر كتاب، ونحو ذلك. وقد تكون مباحة فقط إذا كان تجمعاً همه نفع دنيوي لأصحابه، ولا شك أيضاً أن هذه التجمعات قد تكون إثماً أو حراماً إذا كان تجمعها على باطل وشر وزور من باب قوله تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (المائدة:2).

ثم إن من أخطاء "المسلك الأول" تحجير الدين، وتأخير الإسلام والمسلمين، والاكتفاء بوسائل بدائية لحرب أعداء الدين، ففي الوقت الذي يحارب الكفار المسلمين بالمؤسسات والأحزاب والنقابات والجمعيات والهيئات والدول والأنظمة، ووسائل الإعلام الفتاكة المؤثرة نريد أن نحاربهم بالأعمال الفردية المتناثرة، وبتأليف رسالة، وخطبة جمعة.. الخ فيصبح الشأن كمن يريد أن يواجه الطائرة بالرمح، والدبابة بالحصان، والصاروخ بالقوس والنشاب.. الخ.

ولا شك أن هذه معركة خاسرة، وضلال في الفهم والعمل، وأنه مهما استخدمت هذه الوسائل التقليدية في الدعوة والجهاد فإنها يستحيل أن تؤدي إلى نصر الدين، وإعزاز المسلمين، وتحقيق أهداف الرسالة الإسلامية العظمى التي نص الله عليها بقوله: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً} (الفتح:28). فكيف يظهر الإسلام على الأديان كلها وهو لا يستخدم وسائل مكافئة وأساليب مناسبة للقضاء على الأديان الباطلة؟!.

ولكننا من خلال مناقشة الرأيين السالفين، وبيان جوانب الصواب والخطأ في كل منهما على وجه الإجمال لا التفصيل نحب هنا أن نضع (الضوابط الشرعية) التي يجب سلوكها والالتزام بها في أي عمل سياسي من أعمال الدعوة إلي الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
sara
مشرفة قسم الترفيه
مشرفة قسم الترفيه
sara


معلومات اضافية

الجنس : انثى
المشاركات المشاركات : 216
نقاط التقييــم 22 نقاط الخبـــرة 5803
الدولة : مصر

المسلمون والعمل السياسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المسلمون والعمل السياسي   المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 15, 2009 12:03 pm

المسلمون والعمل السياسي 346867
المسلمون والعمل السياسي 369970
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المسلمون والعمل السياسي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
۩ شبــــ ايجــى تـايمز ـــكة :: المنتدى العــــــام :: الملتقى الاسلامى-
انتقل الى:  
الدردشة|شبكة جرحنى عنادك
المواضيع الأخيرة
» جديد كود css تخفيف لون الازرار وعند وضع الماوس على الزر يظهر لك
المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالثلاثاء أكتوبر 14, 2014 1:53 pm من طرف imad3d

» مجلة ستار ايجى مجلتنا لجمع الاعضاء
المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2012 12:06 pm من طرف محمددسوقي1

»  لعبة الاكشن الرائعة Will Rock بحجم 447 ميجا على اكثر من سيرفر
المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالخميس مايو 03, 2012 2:52 pm من طرف hkh0305

» حصريا على جرحنى عنادك كيفية عمل شريط ادوات اسفل المنتدى مثل منتدانا
المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالخميس أكتوبر 06, 2011 2:00 pm من طرف الختيار ميبو

» منتدى أشهار لخدمات المنتديات والمواقع
المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالإثنين يوليو 11, 2011 1:00 am من طرف كآزآنوفآ

» ود css وضع إطار حول الصورة الشخصية مع ظل على جرحنى عنادك
المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالسبت يوليو 09, 2011 9:42 pm من طرف كآزآنوفآ

» أفضل العاب لايفون iphone وكيفية للعبها مجاناعلى شبكة جرحنى عنادك
المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالأربعاء يوليو 06, 2011 9:25 pm من طرف كآزآنوفآ

» على شبكة جرحنى عنادك اللعبة الرائعة الاونلاين Metin2
المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالأربعاء يوليو 06, 2011 9:15 pm من طرف كآزآنوفآ

» الموضوع الموحد والمفصل لطريقه الحصول على الإعتمادات من الإنترنت بوقت قصير جدا
المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالأربعاء يوليو 06, 2011 2:15 am من طرف كآزآنوفآ

» منتديات المسيلة ( منتدى رائع جدا وخدماته أروع )
المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالخميس يونيو 23, 2011 3:02 pm من طرف كآزآنوفآ

»  كود css لوضع صوره لتكتب بها قوانين منتداك و الايه الكريمه مايلفظ من قول الا لديه رقيب اعلى المواضيع
المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالخميس مايو 19, 2011 12:26 pm من طرف ابن المنتدى

» 70وسام اشكال و الوان
المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالأحد مارس 13, 2011 8:54 pm من طرف eslam

» كود تخفيف لون الصورة الشخصية عند المرور عليه بالماوس
المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالإثنين يناير 24, 2011 2:14 am من طرف كآزآنوفآ

» احصل الان على شريط اخر المواضيع خاص بمنتداك
المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالأحد يناير 23, 2011 4:18 pm من طرف وائل 2011

» أربح من موقعك (شرح ) طريقة التسجيل في جوجل أدسنس google adsense خطوه خطوه بالصور وطريقة انشاء الاعلانات حصريا على ستار ايجى
المسلمون والعمل السياسي I_icon_minitimeالأحد يناير 23, 2011 4:18 pm من طرف وائل 2011

هدف الشبكة
  • شبكة جرحنى عنادك هـي إنطـلاقةٌ نحـو الجَمـال والرُّقـي, حيـث تعانـق النفـس مـا تحبّه وتجدُ مبتغاهـا مـن الفائـدة والتسلية والترويـح عن النّفـس بمـا يُرضـي الله ويُحبـه هي فرصة لنتشارك المعلومـة المفيـدة والكلمة الطيّبة, دعـوة راقيـة لأن ننشـر العلم النافع والحـروف المضيئة التي تنشر النور والعطـر في كـلِّ مكـان .


    الساعة الآن : 
    Powered byphpBB © Copyright ©2009 - 2011
    AHLAMONTADA Enterprises.