الإســــــلام : هو الاستسلام لله ، والانقياد له سبحانه بتوحيده ، والإخلاص له والتمسك بطاعته وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام لأنه المبلغ عن ربه ، ولهذا سمي إسلاماً لأن المسلم يسلم أمره لله ، ويوحده سبحانه ، ويعبده وحده دون ما سواه ، وينقاد لأوامره ويدع نواهيه ، ويقف عند حدوده ، هكذا الإسلام .
إن الذي يقرأ القرآن الكريم يعرف الدين الإسلامي ، فهو التوجه إلى الله رب العالمين في خضوع خالص لا يثوبه شرك ، وفي إيمان واثق مطمئن بكل ما جاء من عنده على أي لسان وفي أي زمان أو مكان دون تمرد على حكمه ، ودون تمييز شخصي أو طائفي ، أو عنصري بين كتاب وكتاب من كتبه ، أو بين رسول ورسول من رسله ، هكذا يقول القرآن : & وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ( البينة 5
ويقول :) قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ( البقرة136
غير أن كلمة الإسلام قد أصبح لها في عرف الناس مدلول معين ، هو مجموعة الشرائع والتعاليم التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم أو التي استنبطت مما جاء به ، كما أن كلمة اليهودية أو الموسوية تخص شريعة موسى وما اشتق منها ، وكلمة النصرانية أو المسيحية تخص شريعة المسيح عيسى وما تفرع منها .
وله خمس أركان وهي :شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت لمن استطاع .والشهادتان معناهما : توحيد الله والإخلاص له ، والإيمان بأن محمدا رسوله إلى الناس كافة ، وهاتان الشهادتان هما أصل الدين ، وهما أساس الملة ، فلا معبود بحق إلا الله وحده ، وهذا هو معنى لا إله إلا الله ، كما قال عز وجل : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) لقمان30
وأما شهادة أن محمداً رسول الله فمعناها : أن تشهد عن يقين وعلم أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي هو رسول الله حقاً . وأن الله بعثه للناس عامة . إلى الجن والإنس ، إلى الذكور والإناث ، إلى العرب والعجم ، إلى الأغنياء والفقراء ، إلى الحاضرة والبادية .
( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ
بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) الأعراف158
فهو رسول الله إلى الجميع ، من اتبعه فله الجنة ، ومن خالف أمره فله النار ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى .
قالوا : يا رسول الله ، ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى & (*)فهذه العقيدة الإسلامية العظيمة مضمونها : توحيد الله ، والإخلاص له ، والإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، والإيمان بجميع المرسلين ، مع الإيمان بوجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج ، والإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله . هذه هي العقيدة الإسلامية المحمدية .
وسنذكر فيما بعد أركان الإسلام بالتفصيل ..
فهل أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) يعلموا معنى كلمة الإسلام :
يبدو أن أهل الكتاب لا يعلموا معنى كلمة ( الإسلام ) الذي يمقتونه ويرفضونه ، وإلا لكان لهم موقف آخر من المسلمين غير هذا الموقف البغيض العدائي ..
فنحن إن أخذنا كلمة الإسلام بمعناها القرآني نجدها لا تدع مجالاً لهذا السؤال عن العلاقة بين الإسلام وبين سائر الأديان السماوية ، فالإسلام في لغة القرآن ليس اسماً لدين خاص وإنما هو اسم للدين المشترك الذي هتف به كل الأنبياء ، وانتسب إليه كل أتباع الأنبياء ....
فلترى معي التالي ...
هكذا نرى نوحاً يقول لقومه :)
وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (يونس72- وما فتئ إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام يدعوان الله أن يجعلهما من المسلمين: ﴿ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمةً مسلمةً لك﴾ (البقرة: 128).
- وقبيل وفاة يعقوب عليه السلام جمع أبناءه، وأوصاهم بالاستمساك بملة إبراهيم الحنيف المسلم ﴿إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين * ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون * أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون ﴾ (البقرة:131- 133).
- كما طلب موسى عليه السلام من قومه الإذعان لمقتضيات الإسلام الذي دخلوا فيه، فقال: ﴿ يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين﴾ (يونس : 84)، فاستجاب لندائه سحرة فرعون وقالوا: ﴿ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين﴾ (الأعراف: 126).
- وبمثل هذا دعا يوسف عليه السلام ربه حين طلب من الله أن يميته ويحشره مع المسلمين الصالحين: ﴿توفني مسلماً وألحقني بالصالحين﴾ (يوسف: 101).
- ولما دخلت ملكة سبأ بلاط سليمان، ورأت علامات نبوته؛ نادت بنداء الإيمان فقالت: ﴿رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين﴾ (النمل: 44).
والحواريون يقولون للمسيح عيسى : ( الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) آل عمران52
بل إن فريقاً من أهل الكتاب حين سمعوا القرآن : ( وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) القصص53
ويقول الله سبحانه وتعالى عن إبراهيم : ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) آل عمران67
- ثم نرى القرآن الكريم يجمع هذه القضايا كلها في قضية واحدة يوجهها إلى قوم محمد صلى الله عليه وسلم ويبين لهم فيها أنه لم يشرع لهم ديناً جديداً ، وإنما هو دين الأنبياء من قبلهم قال الله تعالى : ( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) الشورى13
- وقد أوضح خاتم النبيين محمد r وحدة دين الأنبياء فقال: ( أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة ، والأنبياء أخوة لعلات ، أمهاتهم شتى ودينهم واحد ) (2)
وهكذا فإن دين الأنبياء جميعاً واحد، بني على أساس واحد يدعو إلى توحيد الله وإفراده وحده بالعبادة، والاستسلام لأوامره، فهو الإسلام دين الله تعالى: ﴿ إن الدين عند الله الإسلام ﴾ (آل عمران: 19)، وهو الدين الذي لا يقبل الله من الناس ديناً سواه ﴿ ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين﴾ (آل عمران: 85).
وقد صدق الله إذ قال لنبيه r ﴿قل ما كنت بدعاً من الرسل﴾ (الأحقاف: 9)
فأصول جميع ما أتى به النبي r قد سبقه إلى الإتيان بها إخوانه من الأنبياء ﴿إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبوراً﴾ (النساء: 163).
فالإسلام هو بكل بساطة معناهمعناه الاستسلام لله تعالى بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك ..
علاقة الإسلام بالديانات السماوية السابقة :
إن علاقة الإسلام بالديانات السماوية في صورتها الأولى هي علاقة تصديق وتأييد أي أن المسلم مؤمن بأن الله تعالى أرسل للبشر أنبياء برسالات مختلفة بتشريعات للبشر ولكن العقيدة واحدة وتم تحريف هذه الديانات ، أما عن علاقته بها في صورتها المنظورة فهي علاقة تصديق لما تبقى من أجزائها الأصلية ، وتصحيح لما طرأ عليها من البدع والإضافات الغريبة عنها فتغيرت وتحرفت
إن ما جاء به الإسلام لم يكن جديداً بقدر ما كان تصحيحاً للرسالات التي سبقته وكيف أن الإسلام كان مجدداً بالدرجة الأولى لما أوحاه الله على أول الأنبياء .
إن الإسلام دين الأنبياء جميعاً ، الذي رضيه الله للبشر جميعاً منذ آدم إلى محمد ، عليهم الصلاة والسلام . وهو بمفهومه العام يعني الانقياد لأحكام الله ، بإتباع أوامره واجتناب نواهيه ، أي إخلاص العبادة لله ، وكل الأنبياء دعوا إلى ذلك . فجوهر رسالة الإسلام يشتمل على رسالة كل نبي وكل كتاب أنزل ، فالأنبياء جميعاً جاءوا بالإسلام . لذلك نرى أن أسس رسالات الرسل ومبادئ دعوتهم واحدة ، لأنهم رسل من مرسل واحد.
لنا عوده مع اخلاق نبى الاسلام المصطفى صلى الله عليه وسلم
(*) صحيح : رواه البخاري 7280 .
(2) صحيح : رواه البخاري 3443